مساطر التبليغ في المادة الجبائية

مساطر التبليغ في المادة الجبائية

يهدف القانون الجبائي الى وضع القواعد القانونية الكفيلة بضمان توزيع عادل لتحملات الدولة بين جميع المواطنين في اطار الاحترام التام لمبدا العدالة والمساواة.
وقد تم تجسيد مضمون هذه المهمة الصعبة بتضمينها على اعلى مستوى من خلال الفصل 13 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ويسود الاعتقاد بان القانون بسعيه الى تحقيق هذه المهمة جد محدود الدور والهدف، فهو في ابعد حدوده ليس الا دورا تقنيا، غير ان ثمة مهام اخرى يطلع بها هذا القانون باعتباره احدى الأدوات العملية لتحقيق السياسة الاجتماعية ووسيلة من وسائل التنمية الاقتصادية، تسمح بتجسيد حقيقي لمفهوم الدولة التدخلية.
وعلى الرغم من اهمية هذا الفرع من القانون وارتباطه الوثيق بنشاطات الافراد والجماعات، فانه مع ذلك لم ينل بعد حظه من البحث والدراسة، فكثيرة هي الموضوعات القانونية الجديرة بالتناول تشريعا وفقها وقضاء كالتقادم ومساطر التصحيح والتبليغ والطبيعة القانونية للجزاءات وغيرها كثير.
وقوفا اليوم عند موضوع مساطر التبليغ لم يكن اعتباطيا بقدر ما أملته الرغبة في رصد خصوصيات هذه المسطرة في المادة الجبائية. وهي بطبيعة الحال لن تتطابق مع تلك الموجودة في المسطرة المدنية.
لذلك فان هذه المقالة من شانها ان تفي بالغرض في الاحاطة بجميع الجوانب المتعلقة بالتبليغ، لان المكان الطبيعي لذلك هو المؤلفات الفقهية، لكن الى ان يدرك ذلك، لا باس من طرح ارضية للنقاش نثير فيها ما يجب اثارته سواء فيما يتعلق بطرق التبليغ واثباته على مستوى ربط الوعاء الضريبي، او فيما يتعلق بالتبليغ الذي يهم اجراءات التحصيل، لنختم ذلك بايراد وجهة نظر حول الموضوع.
المبحث الاول
اجراءات التبليغ لربط الوعاء الضريبي
ان المتتبع لمختلف النصوص الضريبية، سيلاحظ ان مسطرة التبليغ في المادة الجبائية تاخذ حيزا كبيرا من الاهمية، فهي مرحلة يتم خلالها تبادل العديد من المراسلات في الاتجاهين بين الادارة والملزم صيانة لمبدا الحق في الدفاع من جهة كضمانة رئيسية للملزم، وحماية للتحمل الضريبي كحق اساسي للخزينة لا يجوز التفريط في استخلاصه الا بتحقق اسباب وجيهة لذلك، من جهة اخرى.
وهكذا فان رصد مسطرة التبليغ في هذه المادة سيؤدي بنا الى القول بان المشرع لم يشان ان يخضع تبليغ مراسلات الادارة وقراراتها الى الخاضعين للضريبة لنفس طرق التبليغ المعمول بها في الفصول 37 و38 و39 من قانون المسطرة المدنية، مبقيا بذلك على طريقة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل المعتمدة سواء بالنسبة للضريبة الثلاثية أي الضريبة العامة على الدخل [1] والضريبة على الشركات [2] والضريبة على القيمة المضافة [3]، او بالنسبة لباقي الضرائب الاخرى كالضريبة على الارباح العقارية [4] والضريبة المستحقة على عوائد الاسهم [5] ورسوم التسجيل [6] وغيرها.
الا انه مع دخول قانون المالية لسنة 1995 [7] حيز التنفيذ، تم اعتماد طرق جديدة في التبليغ، ومع ذلك فان هذا المستجد لم يكن ليفي بالغرض لبقاء وسيلة البريد المضمون هي الطاغية على باقي الطرق الاخرى، بل ان الحديث عن هذه الاخيرة يظل مرهونا بتعذر اعتماد الاولى، وهو ما حمل المشرع الى التدخل من جديد بموجب قانون المالية لسنة 2001[8].
اولا : مستجدات قانون المالية لسنة 1995 :
ان التدابير الجديدة التي جاء بها قانون المالية لسنة 1995 هي المطبقة بالنسبة لكل الضرائب المباشرة والرسوم المشابهة لها اضافة الى الضريبة على القيمة المضافة ورسوم التسجيل .
ولقد توخى المشرع من هذا التعديل تنويع اجراءات التبليغ المعمول بها مع جعلها اكثر فعالية ومرونة قصد تدارك عنصر الزمن الذي يستغرقه التبليغ بالبريد المضمون، لا سيما اذا رجعت هذه الرسائل بعبارة غير "مطالب بها" او بملاحظة " عنوان ناقص" وغير ذلك، ومن جهة اخرى وضع حد لمراوغات بعض الملزمين ذوي النيات السيئة.
ومن المفيد بيانه ان نطاق الاجراءات الجديدة للتبليغ تتعلق اساسا بحالات فرض الضريبة بصورة تلقائية في حالة تقاعس الملزم عن الوفاء بالتزاماته، وكذا حالات تصحيح اساس فرض الضريبة، او عند اعمال الجزاءات المترتبة عن المخالفات المتعلقة بحق المراقبة والاطلاع. كما وقع تمديد هذه المقتضيات الى مسطرة الطعن امام اللجنة الوطنية بمقتضى قانون المالية لسنة 96-97[9].
وهكذا فان القانون المالي لسنة 1995 لم يسمح باللجوء الى الطرق التبليغية الاخرى الا بعد تعذر استعمال وسيلة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل، فلا يسمح التبليغ بواسطة الاعوان المحلفين التابعين لادارة الضرائب او اعوان كتابة الضبط او الاعوان القضائيين او الطريقة الادارية الا بعد تعذر الوصول الى الملزم عبر البريد المضمون.
كما ان تعذر الوصول الى الملزم والمبني على اساس رفض التسلم يقوم مقام التبليغ الصحيح بعد مرور عشرة ايام على هذا الرفض [10] اما رجوع الرسالة بعبارة "غير مطالب به" فهو لا يعتبر تبليغا وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي منذ مدة طويلة[11].
وسيرا على هذا المنحى يرى البعض بان على الادارة ان تثبت لجوءها الى مسطرة البريد المضمون اولا، واثبات هذه الوسيلة في تبليغها، والا ترتب عن ذلك بطلان الاجراء المبلغ خلافا لذلك سواء كانت مسطرة تصحيح او غيرها بالنسبة للضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة ورسوم التسجيل والضريبة على الارباح العقارية والضريبة المهنية والضريبة الحضرية، ويعتبر تبليغا صحيحا ذلك الذي يتم وفق هاته المسطرة بالنسبة للضرائب، اعلاه، وينتج بالتالي جميع اثاره، لكن على ان تحترم شروط معينة فيما يرجع لمكان التسلم والشخص المسلم له[12].
يترتب على ذلك ان منازعة الملزم في طبيعة المسطرة المتبعة قبل فرض الضريبة عليه، يعني ضرورة الادلاء بالرسائل التي وجهت للملزم والتي رجعت بعبارة " عنوان ناقص" او " غير مطالب به" الى القضاء على حالتها دون فتحها .
هذا وان التبليغ الذي يتم في المرحلة الاولى عن طريق البريد المضمون يوجه الى الملزم بالعنوان المبين في اقراراته او عقوده او مراسلاته مع المصالح الجبائية المختصة، ويشترط لصحة التبليغ توجيه الوثيقة المراد تبليغها في ظرف مغلق مشفوع بشهادة تسليم تحرر في نظيرين بمطبوع معد من طرف الادارة ويتضمن مجموعة من البيانات كاسم وصفة العون الذي قام بالتبليغ وتاريخه وهوية الشخص المتسلم للوثيقة وتوقيعها.
فهذه البيانات تعتبر جوهرية ويترتب على اغفالها بطلان التبليغ المترتب عليه، فاسم وصفة الشخص القائم بالاجراء مثلا بيان جوهري يسمح بمراقبة اهلية هذا الشخص للقيام بهذا الاجراء. وبالتالي فمجرد تخلف هذه الاهلية يمكن ان يؤدي الى بطلان التبليغ وبالتبعية لذلك اسقاط النتائج المترتبة عنه كالضريبة المؤسسة او اسس التصحيح المزمع اعتمادها. عملا بقاعدة ما بني على باطل فهو باطل .
كما ان اغفال تضمين تاريخ التبليغ في شهادة التسليم او هوية الشخص المتسلم يعني التجهيل ببيانات جوهرية لا يمكن للتبليغ ان يقوم صحيحا بدونها.
ونفس الحكم ينطبق على اغفال التوقيع، فالتوقيع هو وحده الدليل على التسلم، فاذا لم يستطع الملزم او من ينوب عنه توقيع شهادة التسلم او رفض توقيعها، وجب على العون المبلغ ان يشير الى ذلك في الشهادة مع الاشارة الى السبب الذي حال دون التوقيع.
وتعد الوثيقة مبلغة بصورة صحيحة اذا تم تبليغها الى الملزم نفسه في محل اقامته او محل عمله او محله المختار او الى اقاربه او خدمه او أي شخص اخر يسكن معه.
اما بالنسبة للشركات والاشخاص الاعتبارية العامة، فان التبليغ يعد صحيحا بتسليم المطلوب الى الشريك الرئيسي للشركات والهيئات المنصوص عليها في المادة 8 من القانون المنظم للضريبة العامة، على الدخل، او الممثل القانوني للشركة او للشخص الاعتباري المعني او الى احد المستخدمين او الى أي شخص اخر يعمل مع الشركة المعنية[13].
ثانيا : الوضع في قانون المالية لسنة 2001
لا يخفى اذن ان تدخل المشرع بموجب قانون المالية لسنة 1995 باضافة طرق جديدة للتبليغ كان تدخلا محتشما بتركيزه على طريقة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل كمنطلق للتبليغ، في حين ان باقي الطرق لا تعدو ان تكون تكميلية، خلافا للوضع في قانون المسطرة المدنية الذي يسوي بين جميع الطرق المنصوص عليها في الفصل 37 م م[14].
ان وجود هذه الثغرة المفتوحة امام الملزمين ذوي النية السيئة للتملص من واجباتهم الضريبية بسبب غيابهم المقصود عن عناوينهم لتفادي تسليم رسائل التبليغ الموجهة اليهم، وبالتالي محاولة عرقلة مسطرة التبليغ قدر المستطاع، هو الذي دفع المشرع الى التدخل مجددا بموجب قانون المالية لسنة 2001 فعدل بين مقتضيات المادة 50 مكررة من قانون 24-86 المنظم للضريبة على الشركات والمادة 112 مكررة من قانون رقم 17-89 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل وكذا المادة 56 مكررة من قانون رقم 30-85 المنظم للضريبة على القيمة المضافة والفصل 12 مكرر من مرسوم 24 دجنبر1958 المتعلق بمدونة التسجيل، فنص على ان التبليغ يتم بالعنوان الذي حدده الخاضع للضريبة في إقراراته او عقوده او مراسلاته المدلى بها الى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه اما برسالة مضمونة الوصول مع اشعار بالتسلم او بالتسليم اليه بواسطة المامورين المحلفين التابعين لادارة الضرائب او اعوان كتابة الضبط او الاعوان القضائيين او بالطريقة الادارية.
فبموجب هذا التعديل اصبح الان بمقدور مفتش الضرائب ان يختار الطريقة الملائمة لتبليغ مراسلاته الى الملزم، فيسترسل في طريقة البريد المضمون بالنسبة الى الملزم الحريص على الوفاء بالتزاماته، متجاوزا عن هذه الطريقة الى وسيلة اكثر فعالية ونجاعة أي التسليم المباشر بالنسبة الى ملزم اعتاد التهرب والتملص باجتنابه كل محاولة للتبليغ تتم في مواجهته.
والشيء الجديد ايضا في هذا القانون هو ان المشرع الجبائي اعتبر رفض التسلم بمثابة التبليغ الصحيح بعد مرور عشرة ايام على هذا الرفض، مكرسا بذلك نفس القاعدة المنصوص عليها في الفقرة 5 من المادة 39 م م التي اشرنا اليها اعلاه .
وعلى الرغم من ان التطبيق العملي هو الذي سيوضح مكامن القوة والضعف في هذا التعديل، فانه يمكن الجزم منذ الان على انه عامل مساعد على التدبير الجيد لعنصر الزمن من خلال تقصير وايجاز المدة الزمنية التي قد تستغرقها سير المسطرة في مواجهة ملزم بالضريبة باستعمال طريقة البريد المضمون التي هي ليست دائما مضمونة النتائج ثم انه مدخل اساسي للارتقاء بعمل المفتش الى الافضل والمردودية بالبحث عن العناصر المشكلة للوعاء الضريبي عوض الاشتغال في نسخ الرسائل تلو الرسائل .
المبحث الثاني
اجراءات التبليغ في القانون رقم 15-97 المتعلق بمدونة التحصيل
كان تحصيل الضرائب يتم وفقا للاجراءات المنصوص عليها في ظهير 21 غشت 1935 المتعلق بتنظيم المتابعات في ميدان الضرائب المباشرة والرسوم المشابهة والديون الاخرى المستحقة للخزينة.
وقد ابانت التجربة عن قصور مقتضيات هذا الظهير بالنظر الى كثرة التقاطع بين احكامه نتيجة التعديلات التي ما فتئ المشرع يتدخل بها وهو ما اثر بشكل سلبي على كيفية تطبيقه، وبالتبعية لذلك تعذر الوصول الى استخلاص افضل لديون الدولة[15].
لذلك اضطر المشرع للتدخل مجددا بموجب القانون رقم 97-15 بمثابة تحصيل الديون العمومية [16]، فنص في المادة الرابعة منه على ان الديون العمومية تستوفى اما عن طريق الاداء التلقائي بالنسبة الى الحقوق الواجب دفعها نقدا او بواسطة تصريح الملزمين بالنسبة للضرائب المصرح بها، او بموجب اوامر بالمداخيل فردية او جماعية يتم اصدارها على شكل جداول او قوائم ايرادات او مستخرجات حسب نوع الرسم .
ويتعين على الادارة لهذا الغرض اخبار الملزمين بتواريخ الشروع في تحصيل جداول الضرائب والرسوم واستحقاقها بكل وسائل الاخبار بما فيها تعليق الملصقات، وترسل الجداول وقوائم الايرادات الى المحاسب المكلف بالتحصيل خمسة عشر يوما قبل تاريخ الشروع في التحصيل.
وحسب المادة 5 من هذا القانون، فان الاعلام بالضريبة يرسل عن طريق البريد العادي في ظرف مغلق الى الملزم المقيد بالجداول او قوائم الايرادات، وعلى ابعد تقدير عند تاريخ الشروع في التحصيل، ويجب ان يبين هذا الاعلام المبلغ الواجب دفعه وتاريخي الشروع في التحصيل والاستحقاق .
الملاحظ ان المشرع تفادى الزام الادارة بتبليغ الملزمين باعلامات الضريبة، واكتفى بعبارة " يرسل" عوض " يبلغ" وذلك فقط بالنسبة لهذه المرحلة الرضائية من التحصيل فيكفي ان تبادر الى اخبار الملزمين بتواريخ الشروع في التحصيل بكل وسائل الاخبار الممكنة واقلها تعليق الملصقات .
غير ان المشرع بقدر ما اكتفى بالاخبار بكافة الطرق عند المطالبة الرضائية، نجده عند تنظيمه للتحصيل الجبري يتحدث عن التبليغ، فبعد ان نص في المادة 39 من قانون 15-97 على ان تباشر اجراءات التحصيل حسب الترتيب التالي : الانذار فالحجز فالبيع فالاكراه البدني عند الاقتضاء، قرر في المادة 41 على انه " لا يمكن تبليغ الانذار الا بعد مضي اجل ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ الاستحقاق، وعشرين يوما على الاقل بعد ارسال اخر اشعار".
ويباشر هذا التبليغ اما عن طريق ماموري التبليغ والتنفيذ التابعين للخزينة او عن طريق السلطة المحلية او عن طريق البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل .
مقارنة بطرق التبليغ على مستوى ربط الضريبة، نجد ان مشرع قانون 15-97 سكت عن اعتماد طريقة التبليغ بالاعوان القضائيين، ولعل السبب في ذلك راجع الى كون مصالح الخزينة تتوفر على جهاز خاص بالمتابعات مما يغنيها عن الاستعانة بالاعوان القضائيين.
ويبلغ الانذار للشخص نفسه في ظرف مختوم في موطنه او لاقاربه او مستخدميه او أي شخص اخر يسكن معه، مع توقيعه على شهادة التسليم او يشار فيها الى عجزه عن التوقيع، واذا رفض التسلم ضمن ذلك في الشهادة بحيث يعتبر التبليغ صحيحا في اليوم الثامن للتاريخ الذي تم فيه رفض التسلم.
واذا تعذر تسليم الانذار نظرا لعدم العثور عليه، او على أي شخص اخر في موطنه او محل اقامته، اعتبر الانذار مبلغا تبليغا صحيحا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ تعليقه في اخر موطن له.
وحسنا فعل المشرع المغربي باعتباره التسليم صحيحا عند انصرام اجل عشرة ايام من تاريخ تعليق الانذار في اخر موطن للمدعي، اذ من شان هذا الاجراء حفظ حقوق الخزي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire